کد مطلب:335749 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:257

اضواء علی المنزلة العالیة
قامت الدعوة الإلهیة علی امتداد المسیرة البشریة، بمخاطبة الإنسان

الذی یسلك طریقها، وإرشاده إلی ما فیه سعادته، وحذرت من الذین یتلبسون بالدین، لأن مهمة النفاق فی دیار الذین آمنوا لا تنفصل عن مهمة الشیطان الذی اعتمد فی برنامجه القعود علی الصراط المستقیم: (قال فبما أغویتنی لأقعدن لهم صراطك المستقیم) [الأعراف: 16]، وتیار الصد عن سبیل الله اعتمد علی المنافقین فی حفر الحفر العدیدة، التی علی امتداد مسیرة الذین آمنوا، ومن خلال هذا الحفر رفعت الأعلام العدیدة، التی تقوم برامجها بالتعتیم علی الفطرة، والقافلة الإسرائیلیة لم تسقط فی مستنقع عبادة العجول نتیجة لغزوها من الخارج، وإنما سقطت أولا من الداخل، علی أیدی الذین یجلسون تحت خیامها ویتلبسون بالدین. والدعوة الإلهیة الخاتمة بینت أن المنافقین یلقون الناس بالأیمان الكاذبة الآثمة، لیصدقوا ما یقولون، فیغتر بهم من لا یعرف جلیة أمرهم، ویقتدی بهم فی ما یفعلون، ویصدقهم فی ما یقولون، فیحصل بهذا ضرر كبیر وبینت الدعوة أن منهم أصحاب أشكال حسنة وألسنة ذی فصاحة، وإذا سمعهم السامع یصغی إلی قولهم لبلاغتهم، ولهذا قال تعالی: (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنی یؤفكون) [المنافقین: 4]، وقال تعالی: (إن المنافقین فی الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصیرا) [النساء: 145]. ولقد وصفهم القرآن بأوصاف، منها أنهم رجس، قال تعالی: (إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا یكسبون) [التوبة: 95]، فهم فی دائرة الخبث والتنجس نتیجة لما تحتویه بواطنهم واعتقاداتهم، والذین فی قلوبهم مرض ویتلبسون بالدین الخاتم ورثوا قلوب الذین سبقوهم من بنی إسرائیل



[ صفحه 45]



وعقولهم، فإذا كان الذین كفروا من بنی إسرائیل لا یقبلون إلا ما یوافق أهواءهم، فإن المنافقین إذا سمعوا آیة من كتاب الله زادتهم رجسا إلی رجسهم، قال تعالی: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من یقول أیكم زادته هذه إیمانا فأما الذین آمنوا فزادتهم إیمانا وهم یستبشرون، وأما الذین فی قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلی رجسهم وماتوا وهم كافرون) [التوبة: 124 - 125]، قال المفسرون: (زادتهم رجسا إلی رجسهم) أی: زادتهم شكا إلی شكهم وریبا إلی ریبهم، وهذا من جملة شقائهم، أن ما یهدی القلوب یكون سببا لضلالهم ودمارهم، كما أن سیئ المزاج لو غذی بما غذی به لا یزیده إلا خبالا ونقصا. ولأن تیار النفاق لا یزداد إلا رجسا، ولأنهم أصحاب السنة، وإذا سمعهم السامع أصغی إلی قولهم لبلاغتهم، ولأن برنامج الصد عن سبیل الله إذا تلبس بالدین كان أشد خطرا علی الدعوة، فإن الدعوة الخاتمة قامت بعزل هذا التیار عن ساحتها، وأقامت حجتها بطائفة الحق، وتحت سقف الامتحان والابتلاء تسیر القافلة، فمن شاء اتخذ إلی ربه سبیلا. وطائفة الحق من خصائصها أن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا، وبهذه الصفة كانوا مع كتاب الله، ولن ینفصلا حتی یردا علی حوض النبی صلی الله علیه وآله وسلم، ومعنی أنهم مع كتاب الله أنهم أعلم الناس بكتابه، وهم أمان للأمة من الوقوع فی دائرة التأویل الخاطئ له، وخاصة الآیات المتشابهة، وذلك لأن تیار الذین فی قلوبهم زیغ یتخذ من المتشابه حقلا له ابتغاء الفتنة، قال تعالی: (هو الذی أنزل علیك الكتاب منه آیات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذین فی قلوبهم زیغ فیتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأویله وما یعلم تأویله إلا الله والراسخون فی العلم یقولون آمنا به كل من عند ربنا وما یذكر إلا أولوا الألباب) [آل عمران: 7]، قال المفسرون: (فأما الذین فی قلوبهم زیغ) أی: ضلال وخروج عن الحق إلی الباطل (فیتبعون ما تشابه منه) أی: إنما یأخذون منه بالمتشابه الذی یمكنهم أن



[ صفحه 46]



یحرفوه إلی مقاصدهم الفاسدة، وینزلوه علیها لاحتمال لفظه لما یصرفونه، فأما المحكم فلا نصیب لهم فیه، لأنه رافع لهم وحجة علیهم، ولهذا قال تعالی: (ابتغاء الفتنة) أی: الإضلال لأتباعهم إیهاما لهم أنهم یحتجون علی بدعتهم بالقرآن، وهو حجة علیهم لا لهم، قوله تعالی: (وابتغاء تأویله) أی: تحریفه علی ما یریدون. ولأن تیار الذین فی قلوبهم زیغ والذین فی قلوبهم مرض یتلبس بالدین ویجلس فی خیام القافلة، أقام الله الحجة بالكتاب وبالعترة التی لا یضرها من عاداها أو من خذلها أو من خالفها، لأنها شعاع یهدی، والله - تعالی - ینظر إلی عباده كیف یعملون، وتطهیر أهل البیت والشهادة لهم بالعلم والعمل، والتحذیر من مخالفتهم، وغیر ذلك، وردت فیه أحادیث صحیحة، سنقدمها ونقابلها بما فی منزلة هارون من موسی علیهما السلام.